المرقات مع تعلیقھا تقویۃ المرقات |
لمرقات |
النَّاطِق -الَّذِيْ هُوَ الْفَصْل- وَقُلْتَ: ’’الحَیَوَان النَّاطِق‘‘، وَهٰهُنَا انقَطَعَ الْحَرَكَة الثَّانِیَة، وَحَصَلَ الْمَطْلُوْب. وَأمَّا الْحَدْس فَفِیْه انْتِقَال الذِّهْن مِنَ الْمَطْلُوْب إِلَی الْمَبَادِي دَفْعَةً، وَمِنْهَا إِلَی الْمَطْلُوْب كَذٰلِكَ، وَأكْثَر مَایَكُوْن الْحَدْس عَقِیْبَ الشَّوْق وَالتَّعَب، وَقَد یَكُوْن بِدُوْنِهَا، وَالنَّاس مُخْتَلِفُوْنَ فِي الْحَدْس: فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ قَوِيُّ الْحَدْس كَثِیْرُهٗ یَحْصُل لَهٗ مِنَ الْمَطَالِب أكْثَرهَا بِالْحَدْس،كَالْمُؤَیَّد بِالْقُوَّة الْقُدْسِیَّة كَالْحُكَمَاء وَالْأوْلِیَاء وَالْأنْبِیَاء؛ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ قَلِیْل الْحَدْس ضَعِیْفُه؛ وَمِنْهُمْ مَنْ لاَّحَدْسَ لَهٗ كَالْمُنْتَهِيْ فِي الْبَلاَدَة. وَمِنْ هٰذَا یُعْلَم(١)أنَّ الْبَدَاهَة وَالنَّظَرِیَّة مُخْتَلِفَان بِالْأشْخَاص وَالْأوْقَات، (١) قَولهٗ: (ومن هٰذا یعلم إلخ) اعلم! أن اختلاف البداهة والنظریة باختلاف الأشخاص من الأوقات علی تقدیر كونهما صفتین للمعلوم ظاهرٌ، فإن معلوماً واحداً یمكن أن یكون حصوله للشخص متوقفا علی النظر فیكون نظریا بالنسبة إلیه، وحصوله للآخر غیر متوقف علیه فیكون بدیهیا بالنظر إلیه؛ وكذا في الوقتین. وأما علی تقدیر كونهما صفتین للعلم فمعنی اختلافهما باختلاف الأشخاص والأوقات، أن العلم المتعلق بمعلوم واحد ربما یكون بعض انحاءه ضروریا وبعضه نظریا، یعني أن معلوم هٰذا العلم قد یكون بدیهیا بالعرض بواسطة علم، وقد یكون نظریا بواسطة علم آخر. نعم! من عرَّف البدیهي بما یتوقف حصوله المطلق علی النظر، والنظري بما یتوقف مطلق حصوله علی النظر، وجعل البداهة والنظریة من أوصاف المعلوم فلایختلف البداهة والنظریة عنده باختلاف الأشخاص والأوقات أصلا. ثم اعلم! أنهم اختلفوا في أن البداهة والنظریة هل هما صفتان للعلم بالذات أو المعلوم بالذات؟ فذهب الأكثرون إلی: أنهما صفتان للمعلوم، ظناً منهم أن المرتب علی النظر ما هو المقصود منه، ولیس المقصود تحصیل حقیقیة العلم، فالبداهة والنظریة لیس من أعراض العلم أولا وبالذات؛ وفیه نظر، والحق أن البداهة والنظریة صفتان للعلم حقیقة وبالذات، والمقصود بالنظر هو: العلم بالأشیاء أو انكشافه، لاوجود نفس المعلومات إلا بالعرض؛ فعلی هٰذا لا یمكن أن یكون علم واحد