وَأَمَّا الرَّدُّ عَلَى الْمُنَجِّمَةِ فَنَقُولُ كُلُّ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ دَائِرَةٌ سَائِرَةٌ مُتَنَقِّلَةٌ مِنْ بُرْجٍ إِلَى بُرْجٍ ، مُتَحَوِّلَةٌ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ عِنْدَكُمْ ، مِنْ سَعْدٍ وَنَحْسٍ وَخُسُوفٍ وَكُسُوفٍ وَاحْتِرَاقٍ وَأَوْجٍ وَهُبُوطٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ أَمَارَاتُ كَوْنِهَا مُسَخَّرَةً مَقْهُورَةً فَالصَّانِعُ إِذَنْ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ .
اَلْقَوْلُ فِي تَنْزِيهِ الصَّانِعِ عَنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ
ثُمَّ إِنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَّكُونَ جِسْمًا ، أَوْ جَوْهَرًا أَو عَرْضًا أَوْ ذَا صُورَةٍ ، أَوْ فِيْ جِهَةٍ، أَوْ فِيْ مَكَانٍ ، وَزَعَمَتِ الْيَهُودُ وَغُلاَةُ الرَّوَافِضِ وَالْمُشَبِّهَةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ أَنَّهُ جِسْمٌ ، وَكَان هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ يَصِفُه بِالصُّورَةِ ، وَقَالَتِ الْمُشَبِّهَةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ : إِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ عَلَى الْعَرْشِ وَقَال بَعْضُهُمْ إِنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ لَا بِمَعْنَى التَّمَكُّنِ ، وَلَكِنْ يُثْبِتُونَ جِهَةَ الْفَوْقِ، وَقَالَت النَّجَّارِيَّةُ : إِنَّهُ بِكُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ، وَقَالَت الْمُعْتَزِلَةُ : إِنَّهُ بِكُلِّ مَكَانٍ بِالْعِلْمِ لَا بِالذَّاتِ .
وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ ، لِأَنّ فِيه أَمَارَاتُ الْحَدَثِ ، وَاللهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْجِسْمَ مُجْتَمَعٌ ، وَكُلُّ مُجْتَمَعٍ يَجُوزُ افْتِرَاقُهُ ، وَكَذَا يَكُونُ مُقَدَّرًا بِمِقْدَارٍ يُتَصَوَّرُ أَن يَّكُونَ أَصْغَرَ مِنْهُ أَو أَكْبَرَ ، فَاخْتِصَاصُهُ بِهَذَا الْقَدْرِ لَا يَكُوْنُ إِلَّا بِتَخْصِيْصِ مُخَصِّصٍ ، وَكَذَا الصُّوَرُ مُخْتَلِفَةٌ ، وَاجْتِمَاعَهُ عَلَى الْكُلِّ مَحَالٌ وَتَخْصِيصُ الْبَعْضِ لَا يَكُوْنَ إِلَّا بِمُخَصِّصٍ.
وَكَذَا لَوْ كَان مُتَمَكِّنًا عَلَى الْعَرْشِ ، إِمَّا أَن يَّكُونَ مُقَدَّرًا بِمِقْدَارِه ، أَو أَصْغَرَ مِنْهُ ، أَو أَكْبَرَ ، فَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِمِقْدَارِهِ ، أَو أَصْغَرَ مِنْهُ لَا بُدَّ وَأَن يَّكُونَ مَحْدُودًا مُتَنَاهِيًا ، وَالتَّنَاهِيْ مِنْ أمَارَاتِ الْحَدَثِ وَإِنْ كَان أكْبَرَ مِنْهُ فَالْقَدْرُ الَّذِيْ يُوَازِيْ الْعَرْشَ يَكُونُ مُقَدَّرًا بِمِقْدَارِهِ ، فَلَزِمَ أَن يَّكُونَ مُتَجَزِّئًا مُتَبَعِّضًا ، وَالتَّبَعُّضُ مِنْ أمَارَاتِ الْحَدَثِ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا عَلَى الْعَرْشِ فَلَا بُدَّ وَأَن يَّكُونَ مُتَناهِيًا مِنْ جِهَةِ السِّفْلِ ، حَتَّى يَكُونَ