ثُمَّ لَا تَمَدُّحَ فِي الْفَوْقِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْجِهَةِ ، إِذِ الْحارِسُ فَوْقَ السُّلْطَانِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ ، وَالسُّلْطَانُ فَوْقَهُ مِنْ حَيْثُ الْقَهْرِ وَالْوَلاَيَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)
وَأَمَّا رَفْعُ الْأَيْدِيْ إِلَى السَّمَاءِ فِي وَقْتِ الدُّعَاءِ فَتَعَبُّدٌ مَحْضٌ ، كَوَضْعِ الْجِهَةِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ، وَالاسْتِقْبالِ إِلَى الْكَعْبَةِ فِي الصَّلاَةِ.
وَالْمُجَسِّمَةُ وَالْمُشَبِّهَةُ آيَاتٌ مُتَشَابِهَاتٌ ، وَأَخْبَارٌ يُتَمَسَّكُونَ بِظَواهِرِهَا ، وَلِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِيهَا طَرِيقَانِ :
أَحَدُهُمَا قَبُولُهَا وَتَصْدِيقُهَا وَتَفْوِيضُ تَأْوِيْلِهَا إِلَى الله تَعَالَى ، مَع تَنْزِيْهِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِذَاتِهِ، وَهُوَطَرِيقُ سَلَفِنَا الصَّالِحِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَالثَّانِيْ قَبُولُهَا وَالْبَحْثُ عَنْ تَأوِيْلِهَا عَلَى وَجْهٍ يَلِيْقُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، مُوَافِقًا لِاسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللِّسَانِ، مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ بِكَونِهِ مُرَادَ اللهِ تَعَالَى .
فَطَرِيقُ السَّلَفِ أَسْلَمُ ، وَطَرِيقُ الْخَلْفِ أَحْكَمُ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ .
القَوْلُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ
قَالَ أهْلُ السُّنَّةِ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِصِفََاتِ الْكَمَالِ ، مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقِيصَةِ وَالزَّوالِ، وَصِفَاتُهُ لَيْسَتْ بِأَعْرَاضٍ تَحْدُثُ وَتَنْعَدِمُ، بَلْ هِيَ أَزَلِيَّةٌ ، أبَدِيَّةٌ قَدِيمَةٌ، قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، لَا تَشْبَهُ صِفََاتِ الْخَلْقِ بِوَجْهٍ مِّنَ الْوُجُوهِ ، فَهُوَ حَيٌّ ، عَالِمٌ ، قَادِرٌ ، سَمِيعٌ ، بَصِيرٌ ، مُرِيدٌ، مُتَكَلِّمٌ ، إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى مِنْ صِفََاتِ الْكَمَالِ، وَلَهُ حَيَاةٌ ، وَعِلْمٌ ، وَقُدْرَةٌ ، وَسَمْعٌ ، وَبَصَرٌ ، وَإِرَادَةٌ ، وَكَلاَمٌ .