فَصْلٌ
وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا مَسَائِلُ :
الْأُوْلَى مَسْأَلَةُ الشَّفَاعَةِ .
فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ عِنْدَنَا ، خِلاَفًا لِلْمُعْتَزِلَةِ ، وَذَلِكَ لَمَّا جَوَّزْنَا عَفْوَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَأَولَى أَنْ يَجُوزَ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّينَ عَلَيهُمْ السَّلامُ وَالْأَخْيَارِ ، وَعِنْدَهُمْ لَمَّا امْتُنِعَ الْعَفْوُ لَا فَائِدَةَ فِي الشَّفَاعَةِ . وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ )، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )، وَهَذَا أَمْرٌ بِالشَّفَاعَةِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ :( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )، فَلَوْ لَمْ تَنْفَعْ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الْكَافِرِينَ مَعْنَى ، وَكَذَا الْحَدِيْثُ الْمَشْهُورُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ :( شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبائِرِ مِنْ أُمَّتِي )، وَالْأَحادِيثُ فِي بَابِ الشَّفَاعَةِ قَرِيبٌ مِنَ التَّوَاتُرِ ، فَلَا أَقَلَّ مِنَ الشُّهْرَةِ ، وَإِنْكارُ الْخَبْرِ الْمَشْهُورِ بِدْعَةٌ ۔
الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْعَفْوِ عَنِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ ، هَلْ يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ أَمْ لَا ؟
قَالَ أَصْحَابُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَقَالَتِ الأَشْعَرِيَّةُ : يَجُوزُ، وَكَذَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَخْلِيدُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النَّارِ وَتَخْلِيدُ الْكَافِرِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ سَفَهًا، إِلا أَنَّ السَّمْعَ دَلَّ عَلَى أَنَّه لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ۔
وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا : لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْحِكْمَةِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ المُسِيءِ وَالْمُحْسِنِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : ( هَلْ جَزَاءُ الْإحْسَانِ إِلَّا الْإحْسَانُ ) ، قَالَ : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ