فَصْلٌ
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الرُّؤْيَةِ فِي الْمَنَامِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا ؟ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ ، لِأَنَّ مَا يُرَى مِنَ الْمَنَامِ خَيَالٌ أَوْ مِثَالٌ، وَكِلَاهُمَا عَلَى الْقَدِيمِ مَحَالٌ . وَجَوَّزَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ مِنْ غَيْرِ كَيْفِيَّةٍ وَجِهَةٍ وَمُقَابَلَةٍ وَخَيَالٍ وَمِثَالٍ . وَحُكِيَ عَن كَثِيرٍ مِّنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ كَذَلِكَ .
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا جَازَ رُؤْيَتُهُ فِي ذَاتِهِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ . وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّائِيَ فِي النَّوْمِ إِنَّمَا هُوَ الرُّوْحُ أَوِ الْقَلْبُ ، فَيَكُونُ نَوْعَ مُشَاهَدَةٍ يَحْصُلُ لِلْعَبْدِ ، كَمَا قَالُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :(( رَأَى قَلْبِيْ رَبِّيْ )). وَاللهُ الْهَادِيْ .
اَلْقَوْلُ فِي الْإِرَادَةِ
ذَهَبَ أَهْلُ الْحَقِّ إِلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُرِيْدٌ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ، وَهِيَ صِفَةٌ تَقْتَضِيْ تَخْصِيصَ الْمَفْعُولَاتِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، وَوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ . خِلاَفًا لِلْفَلاَسِفَةِ وَالْباطِنِيَّةِ . وَزَعَمَتِ النَّجَّارِيَّةُ أَنَّهُ مُرِيدٌ بِذَاتِهِ. وَزَعَمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهُ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ حادِثَةٍ لَا فِي مَحَلٍّ .