الْعَصَا حَيَّةً وَإِحْيَاءِ الْمَيِّتِ . فَإِذَا أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَقِيْبَ قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : إِنْ كُنْتُ صَادِقًا أَنِّيْ رَسُولُكَ فَافْعَلْ كَذَا ، فَفَعَلَ كَانَ ذَلِكَ تَصْدِيْقًا لَهُ بِالْفِعْلِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : صَدَقْتَ. كَمَنِ ادَّعَى بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَنَّهُ رَسُولُهُ . ثُمَّ قَالَ لِغِلْمَانِهِ ، آيَةُ صِدْقِيْ أَنْ أَقُولَ لَه ُ: إِنْ كُنْتُ صَادِقًا فَقُمْ مِنْ مَجْلِسِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ اقْعُدْ ، فَفَعَلَ وَعَرَفَ الْغِلْمَانُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ السُّلْطَانِ ذَلِكَ ، كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ تَصْدِيْقًا لَهُ فِي دَعْوَاهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : صَدَقْتَ ، فَكَذَا هَذَا . وَبِاللهِ التَّوْفِيْقُ .
فَصْلٌ
فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا نُقِيْمُ الدَّلالَةَ عَلَى صِدْقِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالتَّحِيَّةُ ، إِذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ ، ثُمَّ نُبُوَّةُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيهِمُ السَّلَامُ تَثْبُتُ بِإِخْبَارِهِ عِنْدَنَا . وَالدَّلالَةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا الْقُرْآنُ الَّذِي تَحَدَّى بِهِ جَمِيعَ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِإِتْيانِ مِثْلِهِ. فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ اللهُ: ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ ) الآيةُ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ الَّتِيْ نَطَقَ بِهَا الْقُرْآنُ . فَعَجَزَ الْكُلُّ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ . وَدَلالَةُ ذَلِكَ أنَّهُمْ لَوْ قَدَرُوا عَلَى إِتْيَانِهِ لَأَتَوا بِذَلِكَ ، لِحِرْصِهِمْ عَلَى إِبْطَالِ دَعَوَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَإدْحَاضِ حُجَّتِهِ . وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَظَهَرَ وَنُقِلَ إِلَينَا ، كَمَا نُقِلَ تُرَّهَاتُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَهَذَيَانَاتُهُ ۔