وَكَذَا الْمَعْدُومُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَةِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ خِلاَفًا الِلسَّالِمِيِّةِ وَالْمُقَنَّعِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا : الْعَالَمُ مَرْئِيُّ اللهِ تَعَالَى قَبْلَ وُجُودِهِ فِي الْأَزَلِ وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ فَإِنَّه يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْمَعْدُومِ شَيْئًا وَحاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى الْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَلِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا أَنَّ الْمَعْدُومَ الَّذِي لَا يُوجَدُ وَيَسْتَحِيلُ وَجُودُهُ وَالَّذِي يَجُوزُ وُجُودُهُ وَلَكِنْ عَلِمَ اللهُ تَعَالَى أَنَّه لَا يُوجَدُ أَصْلًا لَا يَتَعَلَّقُ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَذَا الْمَعْدُومُ الَّذِي لَا يُوجَدُ ، إِذْ لَا تَفَاوُتَ فِي الْعَدَمِ ۔ وَلِأَنَّ عِلَّةَ جَوَازِ الرُّؤْيَةِ الْوُجُودُ فِي الشَّاهِدِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ فَإِذَا انْعَدَمَتِ الْعِلَّةُ امْتَنَعَ جَوَازُ الرُّؤْيَةِ فَجَاءَتِ الاسْتِحَالَةُ وَمَا يَسْتَحِيلُ رُؤْيَتُهُ لَا يُضَافُ إِلَى رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ لَمَّا كَانَ مُسْتَحِيلًا فِي الشَّاهِدِ لَا يُضَافُ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاللهُ الْهَادِي ۔
الْقَوْلُ فِي نَفْيِ وُجُوبِ الْأَصْلَحِ
لَا تَجِبُ عَلَى اللهِ تَعَالَى رِعايَةُ الْأَصْلَحِ لِعِبَادِهِ وَلَا رِعايَةُ الصَّلاَحِ لَهُمْ خِلاَفًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَمَنْ تَابَعَهُ تَجِبُ رِعايَةُ الصَّلاَحِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ تُنَافِي الْوُجُوبَ عَلَيْهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِعَبِيدِهِ مَا يَشَاءُ إِلَّا أَنَّه خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِلُطْفٍ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ جَمِيعِ الْكُفَّارِ لَآمَنُوا وَذَلِكَ فَضْلٌ مِنْه وَكَرَمٌ وَلَوْ مَنَعَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ عَبِيدِهِ كَانَ عَدْلًا مِنْه وَقَهْرًا وَهُوَ مَحْمُودٌ فِي عَدْلِهِ وَقَهْرِهِ كَمَا فِي فَضْلِه وَكَرَمِه لِأَنَّ فِي الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ عَلَى اللهِ تَعَالَى إِبْطَالَ مِنَّتِه عَلَى عِبَادِهِ فِي الْهِدَايَةِ لَهُمْ لِأَنَّ مَنْ أَدَّى حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَى الْمُؤَدَّى إِلَيه وَلِأَنَّ فِيه قَوْلًا بِتَنَاهِي مَقْدُورِ اللهِ تَعَالَى حَيْثُ أَعْطَاهُ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ إِذْ لَوْ بَقِيَ فِي مَقْدُورِهِ شَيْءٌ هُوَ أَصْلَحُ لِلْعَبْدِ وَلَمْ يُعْطَهُ إِيَّاهُ كَانَ جَوْرًا مِنْه
وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلَّهِ زِيادَةُ مِنَّةٍ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ