اَلْقَوْلُ فِي إِبْطَالِ التّوْلِيْدِ
وَثَبْتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ آثَارَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ بِخَلْقِ اللهِ تَعَالَى وَإيْجَادِهِ لَا بِإِيْجَادِ الْعِبَادِ وَلَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ كَمَا زَعَمَتْ عَامَّةُ الْقَدَرِيَّةِ وَزَعَمَ النِّظَامُ أَنَّهَا فِعْلُ اللهِ تَعَالَى بِإِيْجَابِ الطَّبْعِ وَقَالَ الْقَلَانِسِيُّ إِنَّهَا فِعْلُ اللهِ تَعَالَى وَلَكِنْ بإيْجَابِ الْخِلْقَةِ وَزَعَمَ ثُمَامَةُ بْنُ الْأَشْرَسِ أَنَّهَا فِعْلٌ لَا فَاعِلَ لَهَا .
وَالصَّحِيْحُ مَا قُلْنَا لِأَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ لَوْ حَصَلَتْ بِفِعْلِ الْعَبْدِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ حَصَلَتْ بِدُونِ الْقُدْرَةِ أوْ بِالْقُدْرَةِ الَّتِيْ حَصَلَ بِهَا الْفِعْلُ أَو بِقُدْرَةٍ أُخْرَى لَا وَجْهَ إِلَى الْأَوَّلِ لِاسْتِحَالَةِ تَعَرِّيْ الْفِعْلِ عَنِ الْقُدْرَةِ وَلَا وَجْهَ إِلَى الثَّانِيْ لِأَنَّ تِلْكَ الْقُدْرَةَ مُقَارِنَةٌ لِلْفِعْلِ فَتَنْعَدِمُ وَقْتُ الْأَثَرِ وَلَا وَجْهَ إِلَى الثَّالِثِ لِأنَّهُ يَقْتَضِيْ أَن يَّقْدِرَ الِإنْسَانُ عَلَى تَحْصِيْلِ الْأَثَرِ بِدُوْنِ الْفِعْلِ أَوْ تَحْصِيْلِ الْفِعْلِ بِدُونِ الْأَثَرِ كَالْأَلَمِ بِدُونِ الضَّرْبِ وَالضَّرْبُ بِدُونِ الْأَلَمِ إذْ مَنْ قَدَرَ عَلَى الشَّيْئَيْنِ كَانَ قَادِرًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا عَلَى الانْفِرَادِ وَلِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَّمُوتَ الضَّارِبُ عَقِيْبَ الضَّرْبِ وَالْألَمُ يَحْدُثُ بَعْدَهُ وَالْفِعْلُ مِنَ الْمَيِّتِ مَحَالٌ إِلَّا أنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا أَجْرَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْأَثَرِ عَقِيْبَ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ فَإذَا بَاشَرَ الْعَبْدُ السَّبَبَ بِقَصْدِ حُصُولِ ذَلِكَ الْأَثَرِ أُضِيْفَ إلَيْهِ وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ اللَّائِمَةُ عُرْفًا وَلَزِمَتْهُ الْغَرَامَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةُ فِي الْعُقْبَى شَرْعًا وَإن لَّمْ يَكُنِ الْأَثَرُ حَاصِلًا بِفِعْلِهِ حَقِيْقَةً كَمَنْ شَقَّ زِقَّ إنْسَانٍ حَتَّى سَالَ الدُّهْنُ فَإنَّهُ يُلَامُ عَلَيْهِ عُرْفًا وَيُؤَاخَذُ بِهِ شَرْعًا