اَلْقَوْلُ فِيْ إثْبَاتِ الرُّسُلِ
قَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْحَقِّ : إِرْسَالُ الرُّسُلِ مِنَ اللهِ تَعَالَى مُمْكِنٌ يَقْتَضِيْهِ الْعَقْلُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ وَاجِبٌ بِقَضِيَّةِ الْحِكْمَةِ. وَزَعَمَتِ السُّمَنِيَّةُ وَالْبَرَاهِمَةُ أَنَّهُ مَحَالٌ .
وَحُجَّةُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ صُدُوْرَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنَ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَإخْبَارَهُمْ عَمَّا فِيْهِ صَلاَحُ دَارَيْهِمْ مِمَّا قَصُرَتْ عُقُولُهُم عَنْ مَعْرِفَتِهِ غَيْرُ مُسْتَحِيْلٍ ، وَإنَّهُ حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَّخُصَّ بَعْضَ عِبَادِهِ بِعِلْمِ ذَلِكَ ، إِمَّا بِإلْهَامٍ صَحِيحٍ ، أَو وَحْيٍّ صَرِيحٍ ، فَيُخْبِرُ غَيْرَهُ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَيَجْعَلُ لَهُ أَمَارَةً تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عَلَى صِدْقِ إِخْبَارِهِ ، وَهِيَ الْمُعْجِزَةُ . وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ. وَأَعَدَّ فِيهِمَا الثَّوابَ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْعِقَابَ لِأَعْدَائِهِ، وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ إِمْكانُ الْوُقُوفِ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَا خَلَقَ الْأَشْيَاءَ الضَّارَّةَ وَالنَّافِعَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَلَمْ يُوْدِعْ فِي الْحِسِّ وَالْعَقْلِ الْوُقُوفَ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الضَّارِّ وَالنَّافِعِ وَالْغِذَاءِ وَالسَّمِّ وَالدَّواءِ، وَالْعَقْلُ لَا يُطِيقُ التَّجْرِبَةَ ، لِمَا فِيهَا مِنَ احْتِمَالِ الْهَلَاكِ. فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ أَن يُّرْسِلَ رَسُولًا يُخْبِرُ عِبَادَهُ بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ فِي الْعُقْبَى وَمَا أَوْدَعَ فِي الدُّنْيا، وَيَأْمُرُهُمْ بِمَا فِيهِ صَلاَحُهُمْ، وَيَزْجُرُهُمْ عَمَّا فِيْهِ هَلَاكُهُمْ ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).