بَلْ لَوْ تَفَكَّرُوا بِعُقُولِهِمْ عَلِمُوا ذَلِكَ ، وَلِهَذَا حَثَّهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى النَّظَرِ، وَالتَّفَكُّرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ : ( أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا) ، ( أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ) ، وَعُلِمَ أَنَّ الْعَقْلَ يَسْتَبِدُّ بِمَعْرِفَةِ الْمَعْقُولَاتِ ، وَالسَّمْعَ لَا يَسْتَبِدُّ بِدُونِ الْعَقْلِ . وَلَيْسَ تَفْسِيرُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِالْعَقْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الثَّوابَ بِفِعْلِه أَوِ الْعِقَابَ بِتَرْكِه ، إِذْ هُمَا لَا يُعْرَفَانِ إِلَّا بِالسَّمْعِ ، وَلَكِنْ تَفْسِيرُهُ عِنْدَنَا نَوعُ تَرْجِيحٍ فِي الْعَقْلِ أَنَّ الاعْتِرَافَ بِالصَّانِعِ أَوْلَى مِنْ إِنْكَارِه ، وَتَوْحِيدَهُ أَحَرَى مِنْ إشْرَاكِ غَيْرِه مَعَه ، بِحَيْثُ لَا يَحْكُمُ الْعَقْلُ أَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَذَا الشُّكْرُ إظْهَارُ النِّعْمَةِ مِنَ الْمُنْعِمِ ، بِحَيْثُ يَعْرَفُ أَنَّه لَا يَشْرُكُه فِيه أَحَدٌ
القَوْلُ فِي حَقِيقَةِ الْإيمَانِ
قَالَ أَهْلُ الْحَديثِ رَحِمَهُمُ اللهُ : الْإيمَانُ هُوَ الإقْرَارُ بِاللِّسَانِ ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ ، وَالْعَمَلُ بِالْأَرْكَانِ ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا : إِنَّ الْإيمَانَ هُوَ الْإقْرَارُ وَالتَّصْدِيقُ ، وَقَالَتِ الْكَرَّامِيَّةُ : الْإيمَانُ هُوَ الْإقْرَارُ الْمُجَرَّدُ ، وَقَالَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَالْحُسَيْنُ الصَّالِحِيُّ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ : الْإيمَانُ هُوَ الْمَعْرِفَةُ
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ : إِنَّ الْإيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ ، وَالْإقْرَارُ شَرْطُ إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ فِي الدُّنْيا ، نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي كِتَابٍ