قَالَ الشَّيْخُ الْإمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ ، بَيَّضَ اللهُ غُرَّتَهُ: اَلْعِصْمَةُ لَا تُزِيْلُ الْمِحْنَةَ. مَعَنَاهَا : لَا تُجْبِرُهُ عَلَى الطَّاعَةِ وَلَا تُعْجِزُهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ، بَل هِيَ لُطْفٌ مِّنَ اللهِ تَعَالَى تَحْمِلُهُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَتَزْجُرُهُ عَنْ الشَّرِّ مَعَ بَقاءِ الاخْتِيَارِ، تَحْقِيقًا لِلابْتِلاَءِ وَالامْتِحَانِ ۔
وَالْعِصْمَةُ عَنِ الْكُفْرِ ثَابِتَةٌ قَبْلَ الْوَحْيِ وَبَعْدَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا عِنْدَ الْفُضَيْلِيَّةِ مِنَ الْخَوَارِجِ . وَالْعِصْمَةُ عَنِ الْمَعَاصِيْ ثَابِتَةٌ بَعْدَ الْوَحْيِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ إِلَّا عِنْدَ الْحَشَوِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَنْقُلُونَ فِي قِصَّةِ داوُدَ وَسُلَيْمَانَ ويُوْسُفَ ، عَلَيْهِمُ السَّلامُ ، وَغَيْرِهُم مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا يُوْهَمُ ارْتِكَابُ الذَّنْبِ مِنْهُمْ . فَبَعْضُ ذَلِكَ مَرْدُودٌ ، وَبَعْضُه مُؤَوَّلٌ بِتَأْوِيْلٍ صَحِيْحٍ يَلِيْقُ بِحَالِهِمْ ، وَدَلالَةُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ حُجَجُ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ ) ، بَلْ لِلهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّةٌ . فَلَوْ جَازَ مِنْهُمُ ارْتِكَابُ الذَّنْبِ لَمْ يُوثَقْ بِقَوْلِهِمْ ، فَلَا تَلْزَمُ الْحُجَّةُ . فَأَمَّا قَبْلَ الْوَحْيِ كَذَلِكَ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ . وَعِنْدَنَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْرَةِ ، ثُمَّ يَعُودُ حالُهُمْ وَقْتَ الْإِرْسَالِ إِلَى الصَّلاَحِ وَالسَّدَادِ .
القَوْلُ فِي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ
كَرَامَةُ الْأَوْلِيَاءِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا ، خِلاَفًا لِلْمُعْتَزِلَةِ ، وَكَذَا السِّحْرُ وَالْعَيْنُ مُتَحَقَّقٌ عِنْدَنَا ، خِلَافًا لَهُمْ .
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ .
أَمَّا النَّقْلُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ صَاحِبِ سُلَيمَانَ عَلَيْه السَّلَامُ أَنَّهُ أتَى بِعَرْشِ