فَإِنْ قِيْلَ : زَعَمَ بَعْضُ النَّصَارَى أَنَّهُ رَسُولٌ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً ، فَمَا الدَّليلُ عَلَى تَعْمِيْمِ الرِّسَالَةِ ؟
قُلْنَا: مَهْمَا دَلَلْنَا عَلَى كَوْنِهِ رَسُولًا فَالرَّسُولُ لَا يَكْذِبُ ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ بُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ). وَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً). وَقَدْ بَعَثَ رَسُولَهُ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَسَائِرِ مُلُوكِ الْأَطْرافِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلامِ وَآمَنَ بِهِ النَّجَّاشِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ وَغَيْرُهُ ، فَدَلَّ أَنَّهُ رَسُولٌ إِلَى الْكُلِّ . وَاللهُ الْمُوَفِّقُ .
القَوْلُ فِي خَوَاصِّ النُّبُوَّةِ
لَا بُدَّ لِلرَّسُولِ مِنْ مَعَانٍ يَخْتَصُّ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، يَصِيْرُ بِهَا أَهْلًا لِلسَّفَارَةِ بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَبَيْنَ خَلْقِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).
فَمِنْ ذَلِكَ أَن يَّكُونَ أَعَقْلَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا ، وَلَا يَكُونُ مَوْصُوفًا بِصِفََاتٍ تُخِلُّ بِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ . وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الْإِرْسَالِ يُزِيلُ اللهُ تَعَالَى وَقْتَ إِرْسَالِهِ ، كَمَا أَزَالَ عُقْدَةَ لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسُؤَالِهِ . وَيَكُونُ مَعْصُومًا فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ عَمَّا يَشِيْنُهُ وَيُسْقِطُ قَدَرَهُ . وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِّنْ غَيْرِ قَصْدِهِ وَاخْتِيَارِهِ يُنَبِّهُهُ وَيُعَاتِبُهُ وَلَا يُهْمِلُهُ ، بَلْ لَا يُمْهِلُهُ.