فَإِنْ قِيْلَ : لَوْ كَانَ التَّكْوِيْنُ أَزَلِيًّا ، وَهُوَ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، لِتَعَلُّقِ وُجُودِ الْعَالَمِ بِهِ فِي الْأَزَلِ ، فَيَكُونُ الْعَالَمُ قَدِيمًا لَا حادِثًا .
قُلْنَا : مَتَى سَلَّمْتُم تَعَلُّقَ وُجُودِ الْعَالَمِ بِالتَّكْوينِ فَقَدْ سَلَّمْتُم حُدُوْثَ الْعَالَمِ ، إِذْ الْقَدِيمُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ وُجُودُهُ بِغَيْرِهِ ، وَمَا تَعَلَّقَ وُجُودُهُ بِغَيْرِهِ فَهُوَ حادِثٌ . ثُمَّ نَقُولُ : التَّكْوينُ فِي الْأَزَلِ مَا كَانَ لِيَكُونَ الْعَالَمُ بِهِ فِي الْأَزَلِ ، بَلْ لِيَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ كَائِنًا بِهِ وَقْتَ وُجُودِهِ عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِه ، وَتَكْوِينُهُ بِاقٍ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأبَدِ ، فَيَتَعَلَّقُ وُجُودُ كُلِّ مَوْجُودٍ وَقْتَ وُجُودِهِ بِتَكْوينِهِ الْأَزَلِيِّ . هَذَا كَمَنْ عَلَّقَ طَلاَقَ امْرَأَتِهِ فِي شَعْبَانَ بِدُخُولِ رَمَضانَ ، يَبْقَى التَّعْلِيقُ حُكْمًا إِلَى رَمَضانَ لِيَقَعَ الطَّلاَقُ وَقْتَ وُجُودِهِ بِذَلِكَ التَّعْلِيقِ . وَكَمْ جَرَحَ إِنْسانًا يَوْمَ السَّبْتِ فَسَرَى وَتَعَدَّى حَتَّى مَاتَ الْمَجْرُوحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، كَانَ الْجَارِحُ قَاتِلًا مِنْ يَوْمِ السَّبْتِ ، وَإِنْ ظَهَرَ أثَرُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَكَذَا هَذَا .
وَالْقَاطِعُ لِلشَّغَبِ أَنْ نَقُولَ : هَلْ تَعَلَّقَ وُجُودُ الْعَالَمِ بِذَاتِ الْقَدِيمِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِه عِنْدَكُمْ ، أَمْ لَا ؟ إِنْ قَالُوا : لَا ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِتَعْطِيلِ الصَّانِعِ . وَإِنْ قَالُوا نَعَمْ ، قُلْنَا : هَلْ اقْتَضَى ذَلِكَ قِدَمَ الْعَالَمِ أَمْ لَا ؟ فَكُلُّ جَوَابٍ لَكُمْ عَنْه فَهُوَ جَوَابُنَا فِي التَّكْوينِ عَلَى أَنَّ عِنْدَ الأَشْعَرِيْ تَعَلُّقُ وُجُودِ الْعَالَمِ بِخِطَابِ ،“ كُنْ “، فَيَكُونُ تَكْوِيْنًا ، وَأَنَّهُ قَدِيمٌ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَيَكُونُ مُنَاقِضًا لِقَوْلِه فِي مَسْأَلَةِ التَّكْوِيْنِ . وَاللهُ الْهَادِيْ
القَوْلُ فِي جَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى
ذَهَبَ أهْلُ الْحَقِّ إِلَى أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَبْصارِ جَائِزٌ عَقْلًا وَوَاجِبَةٌ سَمْعًا لِلْمُؤْمِنِينَ فِي دَارِ الْآخِرَةِ . خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالنَّجَّارِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَالزَّيْدِيَّةِ مِنَ الرَّوَافِضِ . وافْتَرَقَتْ الْمُعْتَزِلَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّه تَعَالَى هَلْ يَرَى ذَاتَه أَمْ لَا ؟ فَاعْتَرَفَتْ عامَّتُهُمْ أَنَّه يَرَى ، وَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يَرَى ويُرَى .