فَإِنْ قِيْلَ: إِذَا عَلِمَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْآخَرَ يُرِيْدُ خَلْقَ الْحَيَاةِ فِيْ جِسْمٍ يُوَافِقُهُ فِيْ ذَلِكَ وَلَا يُخَالِفُهُ بِإِرَادَةِ الْمَوْتِ فِيْهِ ، خُصُوصاً عَلَى أَصْلِكُمْ أَنَّ الْإِرَادَةَ تُلَازِمُ الْعِلْمَ.
قُلْنَا: هَذِهِ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمَا إِمَّا أَنْ تَقَعَ ضَرُورَةً أَوْ اخْتِيَاراً إِنْ قُلْتَ: ضَرُوْرَةً، كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مُضْطَرّاً إِلَى مُوَافَقَةِ صَاحِبِهِ فَيَكُونَانِ عَاجِزَيْنِ، وَإِنْ قُلْتَ اخْتِيَاراً ، يُمْكِنُ تَقْدِيْرُ اخْتِيَارِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا، فَيَتَوَجَّهُ التَّقْسِيْمُ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْإِرَادَةَ تُلَازِمُ الْعِلْمَ، قُلْنَا: عِنْدَنَا الْإِرَادَةُ تُلَازِمُ الْفِعْلَ دُونَ الْعِلْمِ، إِذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الشَّيْءِ مَعْلُوماً أَن يَّكُونَ مُرَاداً ، فَإنَّ ذَاتَ اللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهُ مَعْلُومٌ لَهُ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَعْدُومُ مَعْلُومٌ لَهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ كَيْفَ يُوْجَدُ، مَعْلُومٌ لَهُ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لَهُ.
أَمَّا الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ بِالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ، فَنَقُولُ: وَافَقْتُمُونَا عَلَى أَنَّ الظُّلْمَةَ حَادِثَةٌ ، فَنَقُولُ: حُدُوثُ الظُّلْمَةِ بِذَاتِهَا أَمْ بَإحْدَاثِ النُّورِ إيَّاهَا ؟ إنْ قُلْتُمْ: بِذَاتِهَا ، فَقَدْ صَرَّحْتُمْ بِحُدُوثِ شَيْءٍ بِدُونِ صَانِعٍ ، وَفِيْهِ تَعْطِيْلُ الصَّانِعِ ، لَا إثْبَاتُ الصَّانِعَيْنَ ، وَإنْ قُلْتُمْ : بِإحْدَاثِ النُّورِ إيَّاهَا ، فَقَدْ أقْرَرْتُمْ أَنَّهُ أَحْدَثَ أَصْلَ الشُّرُورِ وَالْقَبَائِحِ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُثَلَّثَةِ فَبَاطِلٌ أَيْضاً ، لِأَنَّهُ لَا دَلِيْلَ عَلَى تَقْسِيْمِهِمْ بِثَلَاثَةِ أَقَانِيْمَ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ ، وَلِأنَّهُمْ جَعَلُوا الذَّاتَ مَعَ الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ ثَلَاثَةً ، فَهَلَّا جَعَلُوهُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ خَمْسَةً ، وَمَعَ السَّمْعِ وَالْبَصَرَ سَبْعَةً ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفََاتِ الْكَمَالِ.
وَقَوْلُ مَنْ جَعَلَ مَرْيَمَ صَاحِبَةً وَعِيسَى وَلَدًا أَشْنَعُ ، إِذْ فِيه إِثْبَاتُ الْحَاجَةِ وَالتَّجْزِئَةِ لِلهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ الْحُدُوثِ .
وَأَمَّا الرَّدُّ عَلَى الطَّبَائِعِيَّةِ ، فَنَقُولُ ، الْحَرارَةُ وَالْبُرُودَةُ وَالرُّطُوبَةُ وَالْيُبُوسَةُ كُلُّهَا أَعْرَاضٌ لَا قِيَامَ لَهَا بِذَاتِهَا وَلَا بَقاءَ لَهَا فِيْ نَفْسِهَا، وَهِيَ تَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً ، وَمَحَالُهَا مَحَالُ الْحَوَادِثِ ، فَتَكُونُ أيَْضاً حَادِثَةً فَلَابُدَّ لَهَا مِنْ مُحْدِثٍ .