مِنَ الْوُجُوهِ . وَحَدُّ الْمِثْلَيْنِ عِنْدَنَا أَنْ يَجُوزَ عَلَى أَحَدِهِمَا مِنَ الْأَوْصَافِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ . وَقِيْلَ : حَدُّ الْمِثْلَيْنِ مَا يَسُدُّ أحَدَهُمَا مَسَدَّ الْآخَرِ . وَهَذَا مَنْفِيٌّ بَيْنَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ صِفَاتِ الْخَلْقِ . فَلَا يَكُونَانِ مِثْلَيْنِ . وَاللهُ الْمُوَفِّقُ .
القَوْلُ فِي أَزَلِيَّةِ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ : إِنَّ اللهَ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلاَمٍ وَاحِدٍ أَزَلِيٍّ أبَدِيٍّ . قَائِمٍ بِذَاتِه . لَا يُفَارِقُ ذَاتَه وَلَا يُزَايِلُهُ . لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْحُرُوْفِ وَالْأَصْوَاتِ . غَيْرُ مَتَجَزٍّ وَلَا مُتَبَعِّضٍ . وَزَعَمَ جُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا فِي الْأَزَلِ . حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِه كَلاَمًا ثُمَّ تَكَلَّمَ بِهِ . وَأَنَّ كَلاَمَهُ حادِثٌ . غَيْرُ قَائِمٍ بَذَاتِه . ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَا بَيْنَهُمْ . قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّه مِنْ جِنْسِ الْحُرُوْفِ وَالْأَصْوَاتِ . حَتَّى صَارَ مُتَكَلِّمًا بِخَلْقِ الْحُرُوْفِ وَالْأَصْوَاتِ فِي مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ . وَقَالَ بَعْضُهُمُ إِنَّه مِنْ جِنْسِ الْحُرُوْفِ وَالْأَشْكَالِ حَتَّى صَارَ مُتَكَلِّمًا بِإِحْدَاثِ الْحُرُوْفِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ .
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : نُؤْمِنُ وَنُقِرُّ بِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَتَوَقَّفُ فِي أَنَّه حادِثٌ أَوْ قَدِيمٌ . مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ . وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحَيَّ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِالْكَلاَمِ لَكَانَ مَوْصُوفًا بِضِدٍّ مِنْ أَضْدادِهِ . نَحْوَ الْخَرَسِ وَالسُّكُوتِ وَالطُّفُوْليَّةِ . وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ النَّقَائِصِ . تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلِأَنَّ التَّعَرِّيْ عَنِ الْكَلاَمِ لَوْ كَانَ ثَابِتًا فِي الْأَزَلِ ثُمَّ اتَّصَفَ بِالْكَلاَمِ لَتَغَيَّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْه . وَالتَّغَيُّرُ مِنْ أَمَارَاتِ الْحَدَثِ . وَلِأَنَّ الْكَلاَمَ لَوْ كَانَ حادِثًا ، لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ حَدَثَ فِي ذَاتِه . كَمَا زَعَمَتِ الْكَرَّامِيَّةُ . فَيَصِيْرُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ . وَإِمَّا أَنْ حَدَثَ لَا فِي مَحَلٍّ وَأَنَّه مَحَالٌ . وَلَا قَائِلَ بِهِ . وَلِأَنَّه إِذَا لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِمَحَلٍّ لَا يَكُوْنُ اتِّصَافُ هَذَا الذَّاتِ بِهِ أَوْلَى مِنَ اتِّصَافِ ذَاتٍ آخَرَ . وَإِمَّا أَنْ حَدَثَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَيَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ ذَلِكَ الْمَحَلَّ . لَا مَنْ أَحْدَثَهُ . كَالْسَّوادِ وَالْحَرَكَةِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ .