الْقَوْلُ فِي الْهُدى وَالْإِضْلاَلِ
قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ نَصَرَهُمُ اللهُ : الهُدَى مِنَ اللهِ تَعَالَى خَلْقُ الاهْتِدَاءِ فِي الْعَبْدِ وَالْإِضْلالُ خَلْقُ الضَّلاَلَةِ فِيه ۔ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ : الْهُدَى مِنَ اللهِ تَعَالَى بَيَانُ طَرِيقِ الصَّوَابِ وَالْإِضْلالُ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ ضَالًّا أَوْ حُكْمُهُ بِالضَّلالِ عِنْدَ خَلْقِ الْعَبْدِ الضَّلالَ فِي نَفْسِه ۔
وَالصَّحِيحُ قولُ أَهْلِ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى خِطَابًا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) وَلَوْ كَانَ الْهُدَى بَيَانُ طَرِيقِ الْحَقِّ لَمَا صَحَّ النَّفْيُ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأَنَّه بَيَّنَ الْهُدَى لِمَنْ أَحَبَّ وَأَبْغَضَ وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى ( يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) وَلَوْ كَانَ الْهُدى بَيَانُ طَرِيقِ الصَّوَابِ لَمْ تَتَحَقَّقِ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ بَيَانَهُ عَامٌّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَكَذَا الْإِضْلالُ لَوْ كَانَ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ ضَالًّا لِتَقَيُّدِ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ لَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْتَنِي عَلَى قَصْدِ الْعَبْدِ وَاخْتِيَارِه ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الْهِدَايَةَ تُضَافُ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ وَدَعْوَتِه كَمَا قَالَ جَلَّ جَلاَلُه ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وَيَكُونُ الْمُرَادُ هُوَ الْبَيَانُ وَالدَّعْوَةُ وَيُضَافُ إِلَى الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) لِكَوْنِه سَبَبًا لِلْاهْتِدَاءِ وَكَذَا الْإِضْلالُ كَمَا أُضِيفَ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ خَلْقِ الضَّلاَلَةِ فِي الْعَبْدِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ ذَلِكَ أُضِيفَ إِلَى الشَّيْطَانِ أَيْضًا بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ وَالدَّعْوَةِ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى ( وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ) وَكَذَا أُضِيفَ إِلَى الْأَصْنَامِ لِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلضَّلاَلَةِ كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَه وَتَعَالَى خَبَرًا عَنِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلامُ ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ) وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يُضَافُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى غَيْرِهِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ