الْقَوْلُ فِي تَعْمِيمِ الْمُرَادَاتِ
قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ نَصَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى كُلُّ مُحْدَثٍ فَهُوَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَائِهِ وَقَدَرِه عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرْضَا خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ مَا لَيْسَ بِمَرْضَي اللهِ تَعَالَى فَلَيْسَ بِمُرَادٍ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُبَاحَاتِ
فَنَقُولُ مَا عَلِمَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُوجَدَ أَرَادَ أَنْ يُوجَدَ سَواءٌ أَمَرَ بِهِ أَو لَمْ يَأْمُرْ وَإِلَيه أَشَارَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْه حَيْثُ سَأَلَ بَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ هَلْ عَلِمَ اللهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ مَا يَكُونُ مَنِ الشُّرُورِ وَالْقَبَائِحِ أَمْ لَا فَاضْطَرَّ إِلَى الْإقْرَارِ بِهِ ثُمَّ قَالَ هَلْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا عَلِمَ كَمَا عَلِمَ أَمْ أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ بِخِلاَفِ مَا عَلِمَ فَيَصِيرُ عِلْمُهُ جَهْلاً فَرَجَعَ عَنْ مَذْهَبِهِ وَتَابَ عَنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللهُ إِنَّ الْإِرَادَةَ تَجْرِي مَعَ الْعِلْمِ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْإِرَادَةَ تَجْرِي مَعَ الْفِعْلِ وَمَعَنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَفْعُولُ اللهِ تَعَالَى فَهُوَ مُرَادُهُ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْإمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ رَحِمَهُ اللهُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَمَهْمَا دَلَلْنَا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مَخْلُوقُ اللهِ تَعَالَى كَانَ مُرَادًا لَهُ إِذْ لَوْ لَمْ يُرِدْ كَانَ مَجْبُورًا فِي إِيجْاَدِه وَإِنَّه مَحَالٌ
وَبَعْضُ آيَاتِ الْقُرْآنِ نَاطِقَةٌ بِعُمُومِ الْمَشِيئَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ ) وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا ) وَقَوْلُهُ ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ) وَبَعْضُهَا يَنُصُّ عَلَى إِرَادَةِ الضَّلالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ) وَكَقَوْلِهِ ( وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا )