نَوْعُ تَعْذِيبٍ لَهُ عَلَى ارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ يُوَضِّحُهُ أَنَّه يَكُونُ فِي الْقِيَامَةِ ۔ وَهِي دَارُ الْجِزَاءِ لَا دَارُ الابْتِلاَءِ ۔
فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّه كَلَّفَ أَبَا جَهْلٍ وَفِرْعَوْنَ بِالْإيمَانِ وَعَلِمَ أَنَّهُمَا لَا يُؤْمِنَانِ وَخِلاَفُ مَعْلُومِ اللهِ تَعَالَى مَحَالٌ
قُلْنَا أَوَّلُ مَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ مُخَالَفَةٌ لِإِجْمَاعٍ ثُمَّ تَكْذِيبُ إِخْبَارِ اللهِ تَعَالَى أَمَّا مُخَالَفَةُ الْاِجمْاَعِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ لَيْسَ بِكَائِنٍ أَصْلًا وَإِنَّمَا الاخْتِلاَفُ فِي جَوَازِهِ عَقْلًا
وَأَمَّا تَكذِيبُ خَبرِ اللهِ تَعَالَى قَولُه عَزَّ وَعَلَا( لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا ) وُسْعَهَا وَالْمَحَالُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ
وَقولُهُ خِلاَفُ مَعْلُومِ اللهِ تَعَالَى مَحَالٌ ۔ قُلْنَا الْمَحَالُ مَا لَا يُمْكِنُ فِي الْعَقْلِ تَقْديرُ وُجُودِهِ وَالْجَائِزُ مَا يُمْكِنُ وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ وَجُودُ الشَّيْءِ وَعَدَمُهُ فِي ذَاتِه مِنْ غَيْرِ النِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَدَلالَةُ ذَلِكَ أَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْعَالَمَ جَائِزُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ مَعَ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى أَنَّه سَيُوجَدُ وَتَحْقِيقُ وُجُودِهِ فِي الْحالِ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ وَاجِبًا إِذْ لَوْ صَارَ مَا عَلِمَ وُجُودَهُ وَاجِبًا وَمَا عَلِمَ أَنْ لَا يُوجَدَ مُسْتَحِيلًا لَمْ يَكُنْ لِجَائِزِ الْوُجُودِ تَحَقُّقٌ وَتَكُونُ الإِرَادَةُ لِتَمْيِيْزِ الْوَاجِبِ مِنَ الْمَحَالِ لَا لِتَخْصِيصِ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ مِنَ الْآخَرِ وَإِنَّه خِلاَفُ قَوْلِ الْعُقَلاَءِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ جَازَ وُجُودُ خِلاَفِ مَعْمُولِ اللهِ تَعَالَى لَكَانَ فِيه تَجْهِيلُ اللهِ تَعَالَى
قُلْنَا التَّجْهِيلُ فِي نَفْسِ الْوُجُودِ لَا فِي تَصَوُّرِه فَإِنَّ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى فِيه أَنْ لَا يُوجَدَ مَعَ تَصَوُّرِ وُجُودِهِ وذَالِكَ تَحْقِيقُ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى لَا تَجْهِيلُهُ وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ