وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالدَّليلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا اللَّفْظُ الْمَقُولُ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ ( مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ) وَمَذْهَبُ الْخَصْمِ يُضَادُّ قَضِيَّةَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فَإِنَّ مَا شَاءَ مِنْ إيمَانِ جَمِيعِ الْكَفَرَةِ لَمْ يَكُنْ وَمَا لَمْ يَشَأْ مِنْ كُفْرِهُمْ كَانَ ، فَيَكُونُ بَاطِلًا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ۔
فَإِنْ قِيْلَ لَوْ شَاءَ مِنَ الْكَافِرِ لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ عَنْ مَشِيئَتِهِ فَيَكُونُ مَجْبُورًا فَإِمَّا أَنْ يُعْذَرَ فِي الْكُفْرِ وَفِيه إِبْطَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ أَوْ يُعَاقَبَ عَلَيْهِ وَفِيه تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ وَنِسْبَةُ الْجَوْرِ إِلَى اللهِ تَعَالَى
قُلْنَا نُعَارِضُكُمْ بِالْعِلْمِ أَنَّه مَتَى عَلِمَ مِنْه الْكُفْرَ هَلْ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ عِلْمِهِ أَمْ لَا فَمَا أَجَبْتُمْ عَنْ فَصْلِ الْعِلْمِ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ فَصْلِ الْإِرَادَةِ
ثُمَّ نَقُولُ : شَاءَ مِنْه الْكُفْرَ لَكِنَّ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِه مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإيمَانِ كَمَا عُلِمَ مِنْه كَذَلِكَ حَتَّى صَحَّ مِنْه الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فَإِذَا کَانَ الْمُرَادُ وَالْمَعْلُومُ الْفِعْلَ الاخْتِيَارِيَّ كَيْفَ يَكُونُ الْفَاعِلُ فِيه مَجْبُورًا وَقَدْ نَصًّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَشِيئَةِ الْعَبْدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) وَكَذَا قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ ( اِعْمَلُوا مَا شِئْتُم ) وَالْعَبْدُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا لَا يَجِدُ إِلَى إِنْكارِهِ سَبِيلًا وَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَفْعَالِهِ ثَابِتَةٌ نَصًّا وَعَقْلًا فَلَا سَبِيلَ إِلَى إِنْكارِ أَحَدِهِمَا
فَإِنْ قِيلَ : قَالَ اللهُ تَعَالَى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) أَخْبَرَ أَنَّه خَلَقَهُمْ لِلْعِبَادَةِ فَكَيْفَ يُرِيدُ مِنْهُمُ الْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ وَكَذَا قَالَ ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) وَكَذَا قَالَ ( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ )