فَإِنْ قِيْلَ: لَعَلَّ الاشْتِغالَ بِالْحُروبِ وَالْمَكَاسِبِ مَنَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ .
قُلْنَا : التَّحَدِّيْ بِالْقُرْآنِ كَانَ قَبْلَ الْمُحَارَبَةِ ، وَنُصْرَةُ الدِّينِ وَالذَّبِّ عَنِ الْحَرِيْمِ أَهَمُّ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمَكَاسِبِ، فَبَانَ أَنَّ التَّعْلِيْلَ فَاسِدٌ .
فَإِنْ قِيْلَ : لَعَلَّهُمْ عَارَضُوهُ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنِيْنَ هَجَرُوا ذَلِكَ وَشَهَّرُوا الْقُرْآنَ .
قُلْنَا : اَلْجَاحِدُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمانِ كَانُوا أَكْثَرَ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ ، فَلَوْ وَجَدُوا مَا يُعَارِضُ الْقُرْآنَ لَحَمَلَهُمْ جُحُودُهُمْ وَتَكْذِيْبُهُ وَعَدَاوَتُهُم لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى نَقْلِهِ وَإِشْهَارِهِ ، كَمَا حَمَلَ الْمُؤْمِنِيْنَ تَصْدِيقُهُمْ وَمَحَبَّتُهُم النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى نَقْلِ الْقُرْآنِ وَإِشْهارِهِ وَمَا مَعَ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ إِلَينَا ، عُلِمَ أَنَّهُمْ عَجُزُوا عَنْ ذَلِكَ . فَإِذَا عَجَزَ فُصَحَاءُ الْعَرَبِ وَبُلَغَاءُهُمْ عَنْ مُعَارَضَتِهِ كَانَ مَنْ بَعْدَهُم مِنَ الْعَجَمِ أَعْجَزَ .
وَالثَّانِيْ مِنَ الدَّلالَةِ مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالْخَبَرِيَّةِ ، بَعْضُهَا فِي ذَاتِهِ ، وَبَعْضُهَا خَارِجُ ذَاتِهِ .
أَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِذَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ظُهُورُ النُّوْرِ فِي جَبِيْنِ مَنْ كَانَ هُو فِيْ صُلْبِهِ وَرَحِمَهَا مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ مِنْ نُعُوتِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَبَيَانِ وَقْتِ خُرُوجِهِ وَصِفَةِ اَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ . وَكَذَا مَا نُقِلَ مِنْ أَوْصَافِ حِلْيَتِهِ ، وَلُطْفِ صُورَتِهِ ، وَكَرَمِ أخْلَاقِهِ ، وَجَمِيْلِ أَفْعَالِهِ ، كَمَا رُوِيَ حَديْثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ ، كَرَّم اللَّهُ