وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) وَ (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )، وَكَذَلِكَ قَوْلُه تَعَالَى : (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ الَّتِيْ صَرَّحَ فِيهَا بِالْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ .
وَكِلَاهُمَا وَاحِدٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ إِلَّا الْكَرَّامِيَّةَ ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الْمَشِيئَةَ أَزَلِيَّةٌ، وَالْإِرَادَةَ حَادِثَةٌ. وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ ، لِمَا أَنَّهُ خِلاَفُ أَقَاوِيْلِ السَّلَفِ، وَالْخُرُوجُ عَنِ الْإِجْمَاعِ . وَالْمُرِيدُ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْإِرَادَةُ، فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِقِيَامِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، لِئَلَّا يَصِيْرَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ وَهُوَ أَنَّ مَا وُجِدَ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ بِمِقْدَارِهَا فِي أَوْقَاتِهَا لَا يَسْتَحِيلُ مِنَ الْعَقْلِ أَن يَّقَعَ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَأَنْ يَّتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقَهِ . فَلَوْ لَا وُجُودُ الْإِرَادَةِ الَّتِيْ تُوجِبُ تَخْصِيصَهَا بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَالْوَقْتِ لَمـَا وُجِدَتْ كَذَلِكَ . وَلِأَنَّ الْإِرَادَةَ لَوِ انْفَكَّتْ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ مَجْبُورًا فِي إيْجَادِ الْعَالَمِ، إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْإِرَادَةِ ، وَبَيْنَ الاضْطِرارِ وَالاخْتِيَارِ. وَالْمَجْبُورُ عَاجِزٌ.
وَقَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ إِنَّهُ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ حادِثَةٍ لَا فِي مَحَلٍّ ، قَوْلٌ بَاطِلٌ. فَإِنَّ تِلْكَ الْإِرَادَةَ لَا تَخْلُوْ إِمَّا أَنْ حَدَثَتْ بِإِحْدَاثِ اللهِ تَعَالَى أَوْ بِذَاتِهَا. إِنْ قَالَ : بِذَاتِهَا ، فَهُوَ تَعْطِيلُ الصَّانِعِ. وَإِنْ قَالَ : بِإِحْدَاثِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهَا فَنَقُولُ : أَحْدَثَهَا بِإِرَادَةٍ أَمْ بِغَيْرِ إِرَادَةٍ؟ إِنْ قَالَ : بِغَيْرِ إِرَادَةٍ ، يَكُونُ مَجْبُورًا فِي إِحْدَاثِهَا ، وَإِنْ قِيْلَ : بِإِرَادَةٍ ، نَقُولُ: تِلْكَ الْإِرَادَةُ قَدِيمَةٌ أَمْ حَادِثَةٌ ؟ إِنْ قَالَ: قَدِيمَةٌ ، فَهِيَ الَّتِيْ نُثْبِتُهَا. وَإِنْ قَالَ: حَادِثَةٌ يَعُودُ السُّؤَالُ إِلَى التَّسَلْسُلِ . وَاللهُ الْهَادِيْ ۔