بِالْمَرْئِىِّ وَنَقَلَةُ حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ أَحَدٌ وَّعِشْرُونَ عَدَدًا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَائِهِمْ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَيَكُونُ مَشْهُورًا بِحَيْثُ لَا يَسَعُ إِنْكارُهُ .
وَكَذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْه السَّلامُ هَلْ رَأَى رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ أَمْ لَا ؟ وَاخْتِلاَفُهُمْ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، لِأَنَّ الْعُقَلاَءَ إِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي وُجُودِ الْجَائِزِ ، لَا فِي وُجُودِ الْمَحَالِ . وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ ، نُثْبِتُ أَنَّ إِمْكانَ الرُّؤْيَةِ فِي الشَّاهِدِ إِنَّمَا نَشَأَ مِنَ الْوُجُودِ لَا غَيْرَ ، وَأَنَّه تَعَالَى مَوْجُودٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَى ، وَدَلالَةُ ذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا فِي الشَّاهِدِ أَشْيَاءً مُخْتَلِفَةَ الْحَقَائِقِ ، نَحْوَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ وَالْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْْبَيَاضِ وَالسَّوادِ , وَالْأَكْوَانَ الْمُخْتَلِفَةَ كَالْْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ ، وَالْحَرَكَةُ بِحَقِيقَتِهَا تُخَالِفُ السُّكُونَ ، وَكِلَاهُمَا يُخَالِفَانِ الْبَيَاضَ وَالسَّوادَ ، وَالْأَعْرَاضُ بِجُمْلَتِهَا تُخَالِفُ الْجَوَاهِرَ وَالْأَجْسَامَ ، فَلاَ بُدَّ مِنْ وَصْفٍ عَامٍّ يَشْتَمِلُ عَلَى الْكَلِّ لِيُحَالَ جَوَازُ الرُّؤْيَةِ إِلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ ، لِتَطَّرِدَ الْعِلَّةُ وَتَنْعَكِسَ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا الْوُجُودَ .
فَإِنْ قِيْلَ : لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّ مَا سِوَى الْأَجْسَامِ مَرْئِيٌّ ، بَلْ المَرْئِيُّ عِنْدَنَا الْمُتَحَرِّكُ وَالسَّاكِنُ ، لَا الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ ، وَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَعْرَاضِ . قُلْنَا : إِنْكارُ رُؤْيَةِ هَذِهِ الْأَعْرَاضِ إِنْكارُ الْحِسِّ وَالْمُشَاهِدَةِ ، فَإِنَّ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ لَوْ لَمْ يَكُونَا مَرْئِيَّيْنِ ، لَمَا وَقَعَ التَّمْيِيْزُ بَيْنَ الْمُتَحَرِّكِ وَالسَّاكِنِ بِحاسَّةِ الْبَصَرِ ، كَمَا لَمْ يُمَيَّزْ بِالْبَصَرِ بَيْنَ الْحارِّ وَالْبَارِدِ ، وَالْحُلْوِ وَالْحامِضِ ، لِمَا أَنَّه لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَعْرَاضُ مَرْئِيَّةً وَتَحْقِيقَهُ أَنَّا لَا نَشُكُّ فِي عِلْمِنَا بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ حالَتَيِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ فِي جِسْمٍ وَاحِدٍ .
وَأَسْبَابُ الْعِلْمِ ثَلاثَةٌ : إِمَّا الْعَقْلُ ، أَوْ الْخَبَرُ ، أَوْ الْحِسُّ ، وَهَذَا الْعِلْمُ لَيْسَ مِنْ بَابِ