قُلْنَا : قَدْ سَلَّمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَمُومَ الْوَعِيدِ فِي جَمِيعِ الْعُصَاةِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا : الخِلْفُ فِي الْوَعِيدِ كَرَمٌ فَيَجُوزُ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَجُوزُوا الْخِلْفَ مِنَ اللهِ تَعَالَى لَا فِي الْوَعْدِ وَلَا فِي الْوَعِيدِ لِأَنَّه تَبَدُّلُ الْقَوْلِ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى ( مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ) الْآيَةُ وَلِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ سَمَّى الْوَعِيدَ وَعْدًا وَنَفَى الْخِلْفَ فِيه فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ ) لَكِنَّهُمْ قَالُوا بِالْعَفْوِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْه لَمْ يَكُنْ مُرَادًا بِعُمُومِ الْوَعِيدِ فَيَكُونُ الْعَفْوُ بَيَانًا لِتَخْصِيصِ هَذَا الْمُذْنِبِ مِنَ الْوَعِيدِ الْعَامِّ وَالتَّخْصِيصُ بِمَنْزِلَةِ الاسْتِثْنَاءِ وَلَوْ اسْتُثْنِيَ بَعْضُ الْعُصَاةِ مِنْ عُمُومِ الْوَعِيدِ لَا يَكُونَ خِلْفًا فَكَذَا لَوْ خُصِّصَ ۔
فَإِنْ قِيْلَ : قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا) وَكَذَا قَوْلُه عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا ) أَوَعَدَ الْخُلُودَ بِالْقَتْلِ وَالْعِصْيَانِ ۔ قُلْنَا : أَمَّا الْآيَةُ الْأُوْلَى نَزَلَتْ فِي حَقِّ مُسْتَحِلِّ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ بِدَليلِ نَزُولُ الْآيَةَ كَمَا ذَكَرَ فِي التَّفْسِيرِ وَإِنَّه كَافِرٌ وَكَذَا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَإِنَّ التَّعَدِّيَ عَنْ جَمِيعِ الْحُدُودِ لَا يَكُوْنُ إِلَّا مِنَ الْكَافِرِ ، عَلَى أَنَّ الْخُلُودَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ طُولُ الْمُدَّةِ دُونَ الْأَبَدِ