وَكَذَا اشْتَهَرَ اسْتِغْفارُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّلَوَاتِ لِوالِدَيْهِمْ وَأَقْرَبَائِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيْزٍ مَعَ اعْتِقادِهِمْ أَنَّ الاسْتِغْفارَ لِلْكَافِرِ لَا يَجُوْزُ وَتَحْقِيقُهُ وَهُوَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ وَالإقْرَارُ أَمَارَةٌ عَلَيْهِ فَمَنْ وُجِدَ مِنْه الْإقْرَارُ عَنْ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا فَمَا لَمْ يَتَبَدَّلِ التَّصْدِيقَ بِالتَّكْذِيبِ وَالْإقْرَارَ بِالْإِنْكارِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ كَافِرًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَافِرًا كَانَ مُؤْمِنًا إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ إِلَّا الشَّكُّ وَالتَّوَقُّفُ وَإِنَّه كُفْرٌ بِالاتِّفَاقِ فَأَمَّا الْمُخَالَفَةُ الْأَمْرِ وارْتِكَابِ النَّهْيِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الاسْتِحْلَالِ وَالاسْتِخْفَافِ لَا يَكُونُ تَكْذِيبًا وَلَا رَدًّا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ
بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إِمَّا لِغَلَبَةِ شَهْوَةٍ أَوْ لِحَمِيَّةٍ أَوْ أَنَفَةٍ أَوْ كَسَلٍ كَيْفَ وَقَدِ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ خَوْفُ الْعِقَابِ وَرَجاءُ الْعَفْوِ وَالْعَزْمُ عَلَى التَّوْبَةِ وَذَلِكَ كُلُّه ثَمَرَةُ الْإيمَانِ وَأَمَارَةُ تَصْدِيقِ الْقلبِ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ۔ مِثَالُهُ الطَّبِيبُ لَمَّا أَمَرَ المَرِيضَ بِشُرْبِ الدَّواءِ أَوْ نَهَاهُ عَمَّا يَضُرُّهُ وَصَدَّقَهُ الْمَرِيضُ وَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْه وَلَكِنْ رُبَما يُقْدِمُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى أَكْلِ مَا يَضُرُّهُ أَوْ يَمْتَنِعُ عَنْ شُرْبِ مَا يَنْفَعُهُ مَعَ خَوْفِ الضَّرَرِ وَالنَّدَامَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالْحَيَاءِ مِنَ الطَّبِيبِ وَالْخَوْفِ مِنْ مَلاَمَتِهِ وَرَجاءِ التَّدَارُكِ مِنْه ۔ لَا يَكُونُ هَذَا رَدًّا لِأَمْرِ الطَّبِيبِ وَلَا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِ ۔ كَذَا هَذَا ۔
وَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّه مُؤْمِنٌ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَوْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنََّاتٍ ) الْآيَةُ وَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ الْخُلُودُ فِي النَّارِ لِأَنَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَلِأَنَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ لَمَّا كَانَ مَوْعُودًا لِلْكَافِرِ- وَإِنَّه أَعْظَمُ الْعُقُوبَاتِ وَالْكُفْرُ أَعْظَمُ الْجِنَايَاتِ - كَانَ الْخُلُودُ فِي النَّارِ مِثْلًا لِجِنَايَةِ الْكُفْرِ فَلَوْ عُذِّبَ بِهِ عَلَى غَيْرِ الْكُفْرِ كَانَ زِيادَةٌ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ عَدْلًا ۔
فَإِنْ قِيْلَ : الْوَعِيدُ بِتَعْذِيبِ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ وَرَدَ مُطْلَقًا فَلَوْ جَازَ الْعَفْوُ عَنِ الْبَعْضِ لَكَانَ خِلْفًا فِي الْخَبَرِ وَإِنَّه غَيْرُ جَائِزٍ