أَيْ صَنَعَهُمَا وَأَحْكَمَ صَنْعَتَهُمَا
وَالْقَدْرُ تَحْدِيدُ كُلِّ مَخْلُوقٍ بِحَدِّهِ الَّذِي يُوجَدُ مِنْ حُسْنٍ وَقُبْحٍ وَنَفْعٍ وَضَرٍّ وَمَا يَحْوِيهِ مِنْ ظَرْفِ الزَّمانِ وَالْمَكَانِ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ثَوابٍ أَوْ عِقَابٍ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ : ( وَالْقَدْرِ خَيْرِه وَشَرِّه مِنَ اللهِ تَعَالَى )
فَإِنْ قِيلَ : قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ خَبْرًا عَنِ اللهِ تَعَالَى : ( مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلائِي وَلَمْ يَشْكُرْ لِنَعْمَائِي فَلْيَطْلُبْ رَبًّا سِوائِي ) فَلَوْ كَانَ الْكُفْرُ بِقَضَائِهِ لَزِمَنَا أَنْ نَرْضَى بِهِ ۔ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ۔
قُلْنَا : الْكُفْرُ مَقْضِيُّ اللهِ لَا قَضَاؤُهُ فَإِنَّ قَضَاءَهُ صِفَتُه وَالْكُفْرُ صِفَةُ الْعَبْدِ وَقَضَاؤُهُ أَنْ يَخْلُقَ الْكُفْرَ فِي الْكَافِرِ شَرًّا قَبِيحًا بَاطِلًا عِنْدَ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَحِقُّ بِهِ عِقَابَ الْأَبَدِ وَنَحْنُ نَرْضَى بِهَذَا ۔ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْحَديثِ الْأَمْرَاضُ وَالْمَصَائِبُ الَّتِي تُصِيبُ الْإِنْسانَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَأَمَّا مَا يُبَاشِرُه الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ فَهُوَ يَرْضَى بِهِ أَشَدَّ الرِّضَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيضٍ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا لِلْحَديثِ ۔ وَاللهُ الْمُوَفِّقُ وَالْهَادِي ۔