وَالكْتِسَابِيُّ مَا يُحْدِثُهُ اللهُ فِي الْعَبْدِ بِوَاسِطَةِ كَسْبِهِ وَاخْتِيَارِهٖ بِمُبَاشَرَةِ أَسْبَابِهٖ وَأَسْبَابُهٗ ثَلَاثَةٌ الْحَوَاسُّ السَّلِيمَةُ وَالْخَبَرُ الصَّادِقُ وَنَظْرُ الْعَقْلِ
أَمَّا الْحَوَاسُّ فَهِيَ خَمْسٌ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللَّمْسُ وَيُعْلَمُ بِكُلَّ حَاسَّةٍ مَا يُخْتَصُّ بِهَا إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوْصِ وَأَمَّا الْخَبَرُ الصَّادِقُ فَنَوْعَانِ أَحَدُهُمَا الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ وَهُوَ مَا يُسْمَعُ مِنْ أَشْخَاصٍ مُّخْتَلِفَةٍ فِيْ أَحْوَالٍ مُّخْتَلِفَةٍ بِحَيْثُ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمْ تَوَافَقُوْا عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ سَبَبٌ لِلْعِلْمِ الضَّرُوْرِيِّ كَالْعَمَلِ بِالْمُلُوْكِ الْمَاضِيَةِ وَالْبُلْدَانِ النَّائِيَةِ وَالثَّانِيْ الْخَبَرُ الْمُؤَيَّدُ بِالْمُعْجِزَةِ مِنَ الْأَ نْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَهُوَ سَبَبٌ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ لٰكِنْ بِوَاسِطَةِ الاسْتِدْلَالِ وَأَمَّا نَظْرُ الْعَقْلِ فَهُوَ سَبَبٌ لِلْعِلْمِ أَيْضًا وَالْعِلمُ الْحَاصِلُ مِنْهٗ نَوْعَانِ ضَرُوْرِيٌّ وَيُسَمّٰى بَدِيْهِيًّا وَهُوَ مَا يُحْصَلُ بِأَوَّلِ النَّظْرِ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَعْظَمُ مِنْ جُزْئِهٖ وَاسْتِدْلَالِيٌّ وَهُوَ مَا يَحْتَاجُ فِيْهِ إِلَى نَوْعِ تَفَكُّرٍ كَالْعِلْمِ بِوُجُوْدِ النَّارِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الدُّخَانِ وَحُصُوْلُ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ لِمَنْ أَنْصَفَ وَلَمْ يُعَانِدْ وَأَنْکَرَ ذَلِكَ كُلَّهٗ طَائِفَةٌ يُقَالُ لَهُمْ السُّوْفَسْطَائِيَّةُ فَأَنْکَرَ بَعْضُهُمْ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ وَبَعْضُهُمْ الْعِلْمَ بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَلَا مُنَاظَرَةَ مَعَ هٰؤُلَاءِ إِلَّا بِالضَّرْبِ الْمُوْلِمِ أَوِ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ لِيَضْطَرُّوْا إِلَى الْإِقْرَارِ وَأَنْكَرَتِ السُّمَنِيَّةُ وَالْبَرَاهِمَةُ كَوْنَ الْخَبْرِ مِنْ أَسْبَابِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَرِيْبٌ مِنْ إِنْكَارِ السُّوْفَسْطَائِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يُنْكِرُوْنَ الْعِلْمَ الضَّرُوْرِيَّ بِوَاسِطَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْخَبْرُ الْمُتَوَاتِرُ مِنْ أَسْبَابِ الْعِلْمِ كَيْفَ يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ وَالِدَهٗ وَأَخَاهُ وَعَمَّهُ وَسَائِرَ أَقْرَبَائِهٖ وَلَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ هٰوُلَاءِ إِلَّا الْخَبَرُ وَأَنْكَرَتِ الْمُلْحِدَةُ وَالرَّافِضَةُ وَالْمُشَبَّهَةُ كَوْنَ الْعَقْلِ مِنْ أَسْبَابِ الْعِلْمِ قَالُوْا لِأَنَّ قَضَايَا الْعُقُولِ مُتَنَاقِضَةٌ لِاخْتِلاَفِ الْعُقَلاَءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ