فَنَقُولُ : لَمَّا اتَّصَفَ اللهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِ حَيًّا ، عَالِمًا ، قَادِرًا عَلَى التَّحْقِيقِ ۔ وَهَذِهِ أَسْمَاءٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ مَعَانٍ مَخْصُوصَةٍ عِنْدَ أَرْبَابِ اللِّسَانِ ۔ فَإِذَا أُطْلِقَتْ هَذِهِ الْأَسَامِيْ عَلَى ذَاتٍ يُرَادُ بِهَا إِثْبَاتُ مَأْخَذِ الاشْتِقَاقِ ، لَا مُجَرَّدَ تَعْرِيْفِ الذَّاتِ ۔ فَلَوْ لَمْ تُكَنِ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ قَائِمَةً بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ إِطْلاقُ هَذِهِ الْأَسَامِيْ عَلَيْه بِطَرِيقِ اللَّقَبِ وَالْعَلَمِ ۔ لَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ ۔ وَهَذَا لَا يَجُوْزُ ۔
فَإِنْ قِيْلَ : لَوْ أَثْبَتْنَا هَذِهِ الْمَعَانِيْ وَراءَ الذَّاتِ لَزِمَنَا الْقَوْلُ بِالْقُدَمَاءِ : وَإِنَّهُ مُنَافٍ لِلتَّوْحِيْدِ .
قُلْنَا مَهْمَا دَلَلْنَا عَلَى أَنَّ إِطْلاقَ الْأَسَامِيْ الْمُشْتَقَّةِ عَلَى الذَّاتِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ يَقْتَضِيْ قِيَامَ هَذِهِ الْمَعَانِيْ بِالذَّاتِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِقِيَامِهَا بِذَاتِ اللَّه تَعَالَى ، نَظَرًا إِلَى هَذِهِ الْأَسَامِيْ ، وَالْقَوْلُ بِالْقُدَمَاءِ إِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَّوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَعَانِيْ أَغْيَارًا لِلذََّاتِ وَنَحْن نُنْكِرُ ذَلِكَ وَمَنِ ادَّعَاهُ فَعَلَيْه الْبَيَانُ .
ثُمَّ نَتَبَرَّعُ بَيَانَ ذَلِكَ فَنَقُولُ ، صِفَاتُهُ تَعَالَى لَيْسَتْ عَيْنَ الذَّاتِ، كَمَا زَعَمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ ، وَلَيْسَتْ غَيْرَ الذّاتِ ، كَمَا ذَهَبَتْ إِلَيهِ الْكَرَّامِيَّةُ ، بَلْ نَقُولُ : كُلُّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ لَيْسَتْ هِي الذَّاتُ ، وَلَا غَيْرُهُ وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ مَعَ صِفَةٍ أُخْرَى ، لَا هِي عَيْنُهَا ولَا غَيْرُهَا ، لِأَنَّ حَدَّ الْغَيْرَيْنِ مَوْجُودَانِ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَع عَدَمِ الْآخَر ، وَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي صِفََاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ ذَاتِهِ ، وَلَا فِي كُلِّ صِفَةٍ مَع صِفَةٍ أُخْرَى ، فَلَا يَكُونَانِ مُتَغايِرَيْنِ ، كَالْْوَاحِدِ مَع الْعَشَرَةِ ، بِخِلاَفِ الصِّفََاتِ الْمُحْدَثَةِ فَإِنَّ قِيَامَ الذَّاتِ بِدُوْنِ تِلْكَ الصِّفََاتِ الْمُعَيَّنَةِ مُتَصَوِّرٌ ، فَتَكُونُ غَيْرَ الذَّاتِ .
وَيَجُوزُ أَن يَّكُونَ لِلهِ تَعَالَى صِفََاتٌ لَا نَعْرِفُهَا عَلَى التَّفْصِيْلِ، عِنْدَنَا ، خِلاَفًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْأَسْماءِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْه السَّلامُ :" أَنَا أَعْلَمُكُم بِاللهِ وَأَخْشَاكُمْ لِلهِ "، وَكَذَا قَال عَلِيْهِ السَّلامُ :" أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِه نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِيْ كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِّنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِه فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ"