وَأَنْكَرَتِ الدَّهْرِيَّةُ وَالثَّنَوِيَّةُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ كَوْنَ الْأَعْرَاضِ مَعَانِيَ وَرَاءَ الذَّاتِ ، وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ ، بِدَلِيْلِ أَنَّ الشَّعْرَ الْأَسْوَدَ إِذَا أَبْيَضَّ صَحَّ أَنْ يُّقَالَ : هَذَا الشَّعْرُ عَيْنُ ذَلِكَ الشَّعْرِ ، وَالْبَيَاضُ غَيْرُ السَّوَادِ بِالاتِّفَاقِ ، ثُمَّ نَقُولُ : لَوْ كَانَ الشَّعْرُ الْأَسْوَدُ أَسْوَدَ لِذَاتِهِ لَمَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ مَعْ قِيَامِ الذَّاتِ الْمُوْجِبِ لِلسَّوَادِ ، وَمَتَى صَارَ أَبْيَضَ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ لِمَعْنَى ، حَتَّى تَغَيَّرَ بِتَغَيُّرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى . وَأَمَّا الْقَدِيمُ فَهُوَ مَا لَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ ، وَالْحَادِثُ مَا لَمْ يَكُنْ فَكَانَ . إِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُوْلُ : أَلْأَعْيَانُ لَا يُتَصَوَّرُ خُلُوُّهَا عَنِ الْأَعْرَاضِ ، وَهِيَ حادِثَةٌ ، فَإِنَّ الْجَوَاهِرَ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا إِلَّا مُجْتَمِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً ، وَكَذَا الْمُمْكِنُ فِي زَمَانِ الْبَقَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا سَاكِنًا أَوْ مُتَحَرِّكاً ، فَإِنَّ السُّكُونَ كَوْنَانِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ، وَالْحَرَكَةَ كَوْنَانِ فِي مَكَانَيْنِ ، وَحُدُوْثُ الْحَرَكَةِ ثَابِتٌ بِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ ، وَحُدُوْثُ السُّكُونِ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ انْعِدَامِهِ بِوُجُوْدِ الْحَرَكَةِ ، إِذِ الْقَدِيمُ لَا يَنْعَدِمُ . وَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ خُلُوُّ الْأَعْيَانِ عَنْ الْإِعْرَاضِ وَأَنَّهَا حَادِثَةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ سَبْقُهَا عَلَى الْحَوَادِثِ ، لِأَنَّ فِي السَّبْقِ الْخُلُوَّ لَا مِحَالَةَ : وَدَلَالَةٌ اسْتِحَالَةٌ بَقَاءُ الْأَعْرَاضِ تَاتِي فِي مَسْأَلَةِ الاسْتِطَاعَةِ ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى ، وَكُلُّ مَا لَا يَسْبِقُ الْحَادِثَ فَهُوَ حَادِثٌ ضَرُوْرَةً ، لِمُشَارَكَتِهِ الْمُحْدَثَ حِيْنَئِذٍ ، فَإِذَا كَانَ حَادِثًا كَانَ مَسْبُوْقَ الْعَدَمِ ، وَمَا سَبَقَهُ الْعَدَمُ لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ لِذَاتِهِ ، وَيَسْتَوِي فِي الْعَقْلِ إِمْكَانُ وُجُوْدِهِ وَعَدَمِهِ ، فَلاَ بُدَّ مِنْ مُخَصِّصٍ يُرَجِّحُ أَحَدَ الْجَائِزَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ، وَيَجِبُ أَنْ يَّكُونَ وَاجِبَ الْوُجُوْدِ لَا جَائِزَ الْوُجُوْدِ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزَ الْوُجُوْدِ لَاحْتَاجَ إِلَى مُخَصِّصٍ ، وَذَلِكَ إِلَى آخَرَ ، إِلَى أَنْ يَتَسَلْسَلَ أَوْ يَنْتَهِيَ إِلَى مَنْ هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ ، وَهُوَ الصَّانِعُ جَلَّ جَلَالُهٗ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ ثَبَتَ أَنَّهُ قَدِيْمٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ وُجُودُهُ بِغَيْرِهِ ، فَكَانَ وُجُودُهُ لِذَاتِهِ ، فَيَسْتَحِيْلُ عَدَمُهُ ، لِوُجُودِ ذَاتِهِ الْمُوْجِبِ لِوُجُوْدِهِ أَزْلًا وَأَبَدًا . وَعُرِفَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى اللهُ تَعَالٰى جَوْهَرًا وَلَا جِسْمًا ۔