الْكَرَّامِيَّةِ : الاسْتِطاعَةُ ثَابِتَةٌ لِلْعَبْدِ وَلَكِنْ قَبْلَ الْفِعْلِ، لِيَكُونَ التَّكْلِيْفُ لِلْقَادِرِ .
وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ : اسْتِطاعَةُ الْفِعْلِ مُقَارَنَةٌ لِلْفِعْلِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الحادِثَةَ عَرْضٌ ، وَالْعَرْضُ يَسْتَحِيْلُ بَقَاؤُهُ ، فَلَوْ كَانَتْ سَابِقَةً عَلَى الْفِعْلِ لانْعَدَمَتْ وَقْتُ الْفِعْلِ فَحَصَلَ الْفِعْلُ بِدُونِ الْقُدْرَةِ ، وَلَوْ صَحَّ الْفِعْلُ بِدُونِ الْقُدْرَةِ لَصَحَّ مِنَ الْعَاجِزِ وَإِنَّهُ فَاسِدٌ ، وَدَلَالَةُ اسْتِحَالَةِ بَقاءِ الْأَعْرَاضِ أَنَّ الْبَقَاءَ مَعْنَى وَراءَ ذَاتِ الْباقِيْ ، بِدَلِيْلِ أَنَّ الْجَوْهَرَ فِيْ أَوَّلِ أَحْوَالِ وُجُودِهِ يُوْصَفُ بِالْوُجُودِ وَلَا يُوصَفُ بِالْبَقاءِ ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْجَوْهَرَ إِذَا وُجِدَ فَانْعَدَمَ صَحَّ أَنْ يُّقَالَ : وُجِدَ وَلَمْ يَبْقَ، وَلَوْ كَانَ الْبَقَاءُ هُو الْوُجُودُ صَارَ تَقْدِيْرُ الْكَلاَمِ كَأَنَّهُ قَالَ : وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِنَّهُ فَاسِدٌ .
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبَقَاءَ مَعْنًى وَرَاءَ الْوُجُودِ فَنَقُولُ : اَلْأَعْرَاضُ لَا قِيَامَ لَهَا بِذَوَاتِهَا، إِذْ تَقْدِيْرُ الْحَرَكَةِ بِدُونِ الْمُتَحَرِّكِ مَحَالٌ ، فَلَوْ كَانَتْ باقِيَةً لَوَجَبَ قِيَامُ الْبَقاءِ بِهَا ، ومَتَى اسْتَحَالَ قِيَامُ الْعَرْضِ بِذَاتِهِ اسْتَحَالَ قِيَامُ الْبَقاءِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ قِيَامُ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ لَجَازَ قِيَامُ الْحَيَاةِ بِالْقُدْرَةِ، وَالْحَرَكَةِ بِاللَّوْنِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تُوْصَفَ الْحَيَاةُ بِالْقُدْرَةِ وَالْحَرَكَةُ بِاللَّوْنِ، فَكَذَا الْبَقَاءُ ، وَلِأَنَّ الْعَرْضَ لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَكَانَ بَقاؤُهُ غَيْرَ بَقاءِ الْجَوْهَرِ، لِأَنَّهُمَا مُتَغايِرَانِ حَقِيقَةً ، وَيَسْتَحِيْلُ بَقاءُ شَيْئَيْنِ مُتَغايِرَيْنِ بِبَقَاءٍ وَّاحِدٍ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَأَمْكَنَ تَقْدِيْرُ بَقَاءِ الْقُدْرَةِ مَعَ فِنَاءِ الْقَادِرِ ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ وُجُودُ الْقُدْرَةِ ابْتِدَاءً مَعَ عَدَمِ الْقَادِرِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَحَالٌ، وَمَا يُؤَدِّي إِلَيهِ يَكُونُ مَحَالًا أَيْضًا .
فَإِنْ قِيْلَ: لَوْ سَلَّمْنَا اسْتِحَالَةَ بَقَاءِ الْقُدْرَةِ حَقِيقَةً لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ خُلُوُّ الْفِعْلِ عَنِ الْقُدْرَةِ ، أَلَيْسَ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ بِبَقَاءِ الصِّفََاتِ حُكْمًا بِتَجَدُّدِ أَمْثَالِهَا ، كَالْْحِلِّ وَالْمُلْكِ فِي الْأَعْيَانِ ، وَبَقَاءِ الْكُفْرِ وَالْإيْمَانِ فِي ذَاتِ الْإِنْسَانِ، فَتَكُونُ الْقُدْرَةُ باقِيَةً وَقْتَ الْفِعْلِ بِتَجَدُّدِ أَمْثَالِهَا .
قُلْنَا : مَتَى سَلَّمْتُمْ اسْتِحَالَةَ بَقاءِ الْقُدْرَةِ حَقِيقَةً لَمْ يَنْفَعْكُمْ التَّثَبُّتُ بِتَجَدُّدِ الْأَمْثَالِ ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِيْ حَدَثَتْ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ لَا تَخْلُوْ إِمَّا أَنْ تَكُوْنَ قُدْرَةُ هَذَا الْفِعْلِ الْمُقَارَنِ أَو قُدْرَةُ فِعْلٍ آخَرَ يَتَعَقَّبُهَا ، إِنْ قُلْتُمْ : قُدْرَةُ هَذَا الْفِعْلِالْمُقَارَنِ ، لَزِمَكُمْ حُصُولُ الْفِعْلِ بِالْقُدْرَةِ الْمُقَارَنَةِ ، وَتَصَيْرُ الْقُدْرَةُ السَّابِقَةُ ضَائِعَةً يَرْجِعُ إلَي وُجُودِ هَذَا الْفِعْلِ،